السبت، 20 سبتمبر 2008

شئون صغيرة / نزار قباني

شؤون صغيرة
تمر بها أنت .. دون التفات
تساوي لدي حياتي
جميع حياتي
حوادث .. قد لا تثير اهتمامك
أعمر منها قصور
وأحيا عليها شهور
وأغزل منها حكايا كثيرة
وألف سماء
وألف جزيرة
شئون
شئونك تلك الصغيرة
فحين تدخن أجثو أمامك
كقطتك الطيبة
وكلي أمان
ألاحق مزهوة معجبة
خيوط الدخان
توزعها في زوايا المكان
دوائر دوائر
وترحل في أخر الليل عني
كنجم كطيب مهاجر
وتتركني ياصديق حياتي
لرائحة التبغ والذكريات
وأبقي أنا
في صقيع إنفرادي
وزادي أنا كل زادي
حطام السجائر
وصحن يضم رمادا
يضم رمادي
وحين أكون مريضة
وتحمل أزهارك الغالية
صديقي إلي
وتجعل بين يديك يدي
يعود لي اللون والعافية
وتلتصق الشمس في وجنتي
وأبكي وأبكي بغير إرادة
وأنت ترد غطائي علي
وتجعل رأسي فوق الوسادة
تمنيت كل التمني
صديقي لو أني
أظل أظل عليلة
لتسأل عني
لتحمل لي كل يوم
ورودا جميلة
وإن رن في بيتنا الهاتف
إلية أطير
أنا ياصديقي الأثير
بفرحة طفل صغير
بشوق سنونوة شاردة
وأحتضن الألة الجامدة
وأعصر أسلاكها الباردة
وأنتظر الصوت
صوتك يهمي علي
دفيئا مليئا قوي
كصوت نبي
كصوت إرتطام النجوم
كصوت سقوط الحلي
وأبكي وأبكي
لأنك من فكرت في
لأنك من شرفات الغيوب
هتفت إلي
ويوم أجئ إليك
لكي أستعير كتاب
لأزعم أني أتيت لكي أستعير كتاب
تمد أصابعك المتعبة
إلي المكتبة
وأبقي أنا في ضباب الضباب
كأن سؤالي بغير جواب
أحدق فيك وفي المكتبة
كما تفعل القطة الطيبة
تراك أكتشفت ؟
تراك عرفت ؟
بأني جئت لغير الكتاب
وأني لست سوي كاذبة
وأمضي سريعا إلي مخدعي
أضم الكتاب إلي أضلعي
كأني حملت الوجود معي
وأشعل ضوئي وأسدل حولي الستور
وأنبش بين السطور وخلف السطور
وأعدو وراء الفواصل أعدو
وراء نقاط تدور
ورأسي يدور
كأني عصفورة جائعة
تفتش عن فضلات البذور
لعلك ياصديقي الأثير
تركت في إحدي الزوايا
عبارة حب قصيرة
جنينة شوق صغيرة
لعلك بين الصحائف خبأت شيئا
سلاما صغيرا يعيد السلام إليا
وحين نكون معا في الطريق
وتأخذ من غير قصد ذراعي
أحس أنا ياصديق
يشئ يشابة طعم الحريق
علي مرفقي
وأرفع كفي نحو السماء
لتجعل دربي بغير إنتهاء
وأبكي وأبكي بغير إنقطاع
لكي يستمر ضياعي
وحين أعود مساءا إلي غرفتي
وأنزع عن كتفي الرداء
أحس وماأنت في غرفتي
بأن يديك
تلف في رحمة مرفقي
وأبقي لأعبد يامرهقي
مكان أصابعك الدافئات
علي كم فستاني الأزرق
وأبكي وأبكي بغير إنقطاع
كأن ذراعي ليست ذراعي

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Love is...
© أنا لا أدعي الكمال ... ولكني أعترف بالتميز - Template by Blogger Sablonlari - Font by Fontspace